الأربعاء، 6 يناير 2010

الشخصية-نجيب محفوظ

كتبها:نجيب محفوظ
نشرتها:المجلة الجديدة
تاريخ النشر:ديسمبر 1934

الشخصية

هي عند السيكولوجية القديمة صفة جوهرية تقوم عليها الحياة النفسية بأسرها وهو
تفسير بسيط. أما الآن فالعلماء يروﻧﻬا أعقد من ذلك بكثير ويهدى البحث في مسألتها إلى
أﻧﻬا نتيجة لتعقيد كبير يشمل نواحي الفرد المختلفة الجسيمة والنفسية والاجتماعية.
مم تتكون الشخصية:
ا-الشخصية ليست بسيطة: قبل أن نجيب على هذا السؤال يجب اعتبار بعض
الملاحظات. فالشخصية مث ً لا ليست بدائية أو بسيطة لأنه في حالة البساطة لا تتكون للفرد
" قدرة التركيب " أو قوة الإنشاء التي يربط ﺑﻬا بين الظاهرات ويرتب المقدمات ويتنبأ
بالنتائج لأن حالة البساطة هي حالة ما قبل الشعور وهي تتجلى بوضوح فيما بلابس
الطفل من شرود الذهن والعجز عن حصر الانتباه وعدم القدرة على تنظيم المحفوظات أو
توجيه الإرادة، وفي حالة البساطة أيضًا قد لا يميز الفرد بين شخصه وبين الأشياء فالبنت
الصغيرة قد تضرب عروستها لذنب اقترفته هي. والرجل الهمجي يحرق صورة عدوه
اعتقادًا منه أنه يحترق لاحتراقها، ثم أن الفرد في حالته الأولى لا يتميز عن الجماعة التي هو
فيها فهو يفكر بفكرها ويشعر بشعورها ويعمل مؤتمرا بأمرها لا فارق بين هذا وذاك
وجميع ذلك يمنع من ظهور الشخصية وتبلورها.
ب- تكوين"الأنا " وإحساس الفرد بنفسه الذي يعبر عنه بقوله " أنا " يحس به
تدريجيًا مع إحساسنا بالعالم الخارجي ويكون ذلك على درجتين
1)الأنا الجسماني: ويبدأ عندما يأخذ الفرد في التمييز بين الجسم والعالم المادي )
فيعرف أن له أنا ماديا يختلف عن الأشياء لما يرى جسمه ملتصقًا بشيء من الأشياء المادية
ويلاحظ الفروق التي بينهما ومما يعين على ذلك أن إحساسنا بالصفات الجسمية ثابت بما
يجعل للجسم في مجال الشعور مكانا خاصًا يدل عليه، وتلعب الاحساسات الباطنية
والاحساسات الحركية دورًا هامًا في التعريف بذلك الجانب المادي من الشخصية.
2)الأنا الروحاني: والخطوة التي تتلو ذلك هي أن يميز الإنسان شخصية داخلية )
ويميزها عن جسمه على اعتبار أن هذا الجسم شيء خارجي. ومما يمهد إلى ذلك أن
الشخصية. بجسمنا يضغط علينا كما في أحوال الألم المادي كأنه شيء خارجي تمامًا حتى
أننا نقول " يؤلمني جسمي " فنميز بين الجسم الذي يؤلم والأنا الذي يتألم، وكذلك فأن
الاحساسات الباطنية تدرك كان لها امتدادًا وهذا يجعلنا نضعها بين الأشياء التي توجد في
المكان والامتداد فتتميز بذلك عما ليس له امتداد وهو جوهر الفكر، وهذا أسلوب فلسفي
في الفحص عن حقيقة النفس لجأ إليه ديكارت عندما كان يحاول معرفة نفسه، فالجسم
والنفس هما مجمل الشخصية الإنسانية.
فكرة الأنا والعواطف الشخصية:
الشخصية تطلق على أفكار وعواطف كثيرة يجب أن نحللها ونعرفها
أ-صفات الأنا: صفتا الأنا اللازمتان هما الوحدة والذاتية ومعنى الوحدة أنه مهما
كانت العواطف والأفكار والرادات والاحساسات التي نحسها مختلفة فأننا نردها إلى وحدة
واحدة، وتفسير الذاتية أنه مهما كانت الحالات التي تطرأ على هذه الوحدة متباينة كثيرة
فهي تبقى محتفظة بذاﺗﻬا أي تبقى هي فالفرد السليم يعلم تمام العلم أنه هو في أطوار
الطفولة والشباب والكهولة والشيخوخة وأنه في أحوال الفرح والحزن والنجاح والفشل
والصحة والمرض إلى غير ذلك مما لا يحصره عد. و ليلاحظ هنا – تأييدًا لما قلناه – أن
الوحدة والذاتية من الخواص التي يخطى البدائي في تميزها فهما تلازمان حالة هي أرقى
بكثير من حالة البساطة.
ب-العواطف الشخصية: والعواطف ليست بدايات بسبطية ولكنها ﻧﻬايات معقدة
فالأنانية والشعور بالجدارة وحب الاستقلال والميل للتحكم عواطف ظهرت بصورها
الحديثة بعد تقدم اجتماعي كبير، وهي ترجع إلى ميول بدائية تبدو في محاولة الامتياز
بشيء. فالطفل يعنى أول شيء بقوة جسمه ليتفوق في المغالبة أو اللعب ثم يوجه عنايته نحو
الزى والهندام ثم يفاخر بالأثاث حتى ينتهي إلى المباهاة بالمواهب العقلية وجميع هذه
العواطف لا تعيش إلا في اﻟﻤﺠتمعات الراقية بعد أن تكون عرضة لتطورات طويلة لأن في
اﻟﻤﺠتمعات الساذجة الفرد جزء غير متميز من الجماعة فلا يرغب في الاستقلال ولا يميل إلى
السلطان والتحكم وقد يقال أن عاطفة الملكية طبيعية جدًا ولكن الملكية ذاﺗﻬا لا توجد إلا
في اﻟﻤﺠتمعات بعد أن يطرأ عليها تطور كبير.
أمراض الشخصية
وذاتية الشخص أو الشعور بأﻧﻬا هي لم تتغير رغمًا عما يمر ﺑﻬا من تغير عرضة
لاضطرا بات نذكر فيما يلي بعض أحوالها.
1) حالة يحس فيها المريض بمرضه ويعيه بشعوره وقد قسمها الدكتور جانية إلى ثلاث أنواع: )
حالة يحس فيها المريض بغرابة شخصيته فيخيل إليه مث ً لا أنه مضحك منحط زري،
وأخرى يحس فيها بتضاعف شخصيته فيخيل إليه أنه شخصان متمايزان، وثالثة يحس فيها
المريض بأنه فقد شخصيته فيسأل من أنا أو يخيل إليه أنه مات.
ويدخل تحت هذه الحالة ما يعرف بجنون العظمة فهنا يعتقد المريض أنه ملك عظيم
أو قائد كبير وتصدر عنه أفعال وإشارات تعبر عما يقوم بنفسه من اعتقاد فإذا سئل عن
مهنته مث ً لا أجاب بالحق والواقع فيقول نجارا أو تاجرا الخ. فهذه الشخصية منفصلة إلى
أجزاء مستقلة يعمل كل في زائراته
2) حالة أخرى يوجد فيها جزء من الحياة النفسية مستق ً لا عن بقية النفس ولا يعيه الشعور )
الطبيعي.
ومن ذلك انقسام الشخصية كما حدث لفتاة فقدت شعورها ولما أفاقت نسيت
ماضيها ثم فقدت شعورها ثانيا ولما أفاقت عادت ذكرياﺗﻬا القديمة ولكنها نسيت ما بين
حالتي فقدان الشعور الأولى والثانية وعادت على ذلك فهنا انقسمت الشخصية إلى حالتين
لابستها كل منهما زمنا ولكنها دعت حالة ونسيت الأخرى كأﻧﻬا لم تكن. بل قد تنقسم
الشخصية إلى أربع أو خمس شخصيات يكون المريض في واحدة منها رحيمًا وفي الأخرى
قاسيا وفي ألثالثه كريمًا وفي الرابعة لئيمًا بل قد تتغير – بين واحدة وأخرى – مذاهبه
ومعتقداته بل خطة نفسه قد تتغير أيضًا.
ومن ذلك ما يعرف بالوساطة حيث تتلبس الوسيطة شخصية أخرى يحمل إجاباﺗﻬا
إلى السائلين وهو في الحقيقة يعبر عن آلامه وأمراضه متأثرا بعقائده وآراء عصره.
ومن ذلك أيضًا الانحلال الكلى للشخصية حيث يعتقد المريض ( المصاب بالشلل
الكلى مث ً لا ) أنه اثنان ويحس باثنينيته إحساسنا بوحدتنا وبما حكى عن أحد المصابين
بالانحلال الكلى أنه حرك يده ليسرى ثم أوقفها بيمناه وضرﺑﻬا كأنه يعامل شخصًا غريبا.
نظرية الشخصية
نعلم أن حالات " الأنا " كثيرة " والأنا " واحد فكيف نفسر ذلك ؟ أجابت
مدرسة بأن الأنا جوهر ثابت واحد مميز عن الجسم وعند بعضهم أنه مميز أيضًا عن
الحالات التي تعيره. فكيف إذا نعرف هذا الجوهر ؟ وهنا نجد إجابتين لنظريتين مختلفتين.
النظرية الروحية: فديكارت يقول أننا نعرفه بالبداهة لأنه بالبداهة أعرف أنى كائن
ماهيته الفكر ومن هناك قوله المعروف " أنا أفكر فأنا موجود" أما ريد وفكتور كوزان
وجانيه فيقولون أننا نعرف النفس بقياس عقلي وكما أن كل فعل يفرض فاع ً لا وكل صفة
تدل على موضوع كذلك حالات النفس تدل عليها ويلاحظ أﻧﻬم جميعًا اهتموا بمعرفة
وجه واحد للنفس وهو الجوهر الواحد الذاتي ولكن للنفس وجه آخر عنى به عناية خاصة
علماء محدثون كبرجسون ووليم جيمس وهو ذلك الوجه المتغير والمستمر الحركة والتقدم
وكذلك لم يبينوا علاقة الظاهرات النفسية بالجوهر الواحد وديكارت نفسه يقول أننا لا
نعرف الجوهر إلا عن طريق صفاته أي أن معرفته عن طريق مباشر غير ممكنة.
النظرية التجريبية: أما هذه النظرية أيضًا فجل اهتمامها موجه إلى الحالات المتغيرة
التي تعبر النفس واعتبر أصحاﺑﻬا الشخصية مجموعة فقال دافيد هيوم أن النفس هي الحالات
المتتابعة المرتبطة بقانون العلية وهو نفس ما ذهب إليه ستيورات ميل يقول كوندياك –
فيلسوف المذهب الحسي - أن النفس هي مجموعه الاحساسات التي يعيها الشعور مضافًا
إليها ما تمدنا به الذاكرة. وهو رأى تين أيضًا. ونستطيع أن نقول في هذه النظرية ما قلنا في
السابقة مع اعتبار الفارق وهو أﻧﻬا اهتمت بالوجه المتغير المتعدد من النفس وأهملت الوحدة
الثابتة.
العوامل المكونة للشخصية
العامل العضوي: الوحدة العضوية لجسم الإنسان أساس – وأن لم يكن كافيا وحده
– فهو ضروري جدًا للتعريف بالشخصية فالوحدة الطبيعية أس الوحدة النفسية، وفي
الحالات التي يكون إحساسنا بوحدة الجسم ناقصًا يكون إحساسنا بالوحدة عمومًا غامضًا
أضف إلى ذلك أن الحياة الوجدانية وهي تترجم في الغالب عن تأثرات عضوية من أهم ما
يكون شخصيتنا لأننا نحس بفرديتنا عن طريق عواطفنا أو أكثر ما نحس ﺑﻬا عن طريق
الفكر. بل يذهب البعض إلى حد القول بأن الاحساسات أو أحساسات الحركة هي كل
أساس للشخصية ويقول الأستاذ ريبو أن أي احتلال في هذا الأساس يصحب باضطراب
في الإحساس بالشخصية.
العامل الاجتماعي: وللمجتمع دور مهم في تكوين الشخصية وهل الشخصية إلا
ميول وعواطف وأفكار وأي شيء من هذا لا يتأثر في كثير أو قليل باﻟﻤﺠتمع ؟ هذا أقل ما
يقال لأننا لا نريد أن نقول مع الاجتماعيين بأﻧﻬا جميعًا اجتماعية في المنشأ والماهية. ومما
يساعد بشكل واضح على تميز الشخصيات تعقد اﻟﻤﺠتمع وتعدد أنواعه وانقسام العمل فأن
هذا كله يعمل على خلق نماذج مختلفة غاية الاختلاف في السلوك والرأي والعاطفة
وليست الشخصية إلا هذا.
العامل النفسي: على أنه لا يمكن إنكار ما للنفس من شأن كبير في صنع الشخصية
بل نحن نتوهم كثيرا أننا نخلق أنفسنا خلقًا وأن كل مالنا من صفات واستعدادات هو نتاج
لإرادتنا وهو وهم له ما يبرره لأن كل ما نأتي من أفعال نحس بداهة أن أرادتنا هي التي
توجهه وتثابر عليه وتتصرف فيه وأن عقلنا هو الذي يمهد له السبيل السوي يبتكر له
الوسائل النافعة وأن عواطفنا هي التي تمدنا بالقوة والصبر، فجميع ملكاتنا النفسية تلعب
دورًا هامًا في تكوين شخصيتنا.
فالشخصية كما ترى عالم صغير ينطوي فيه عالم كبير هو كل ما يحيط بنا من جسم
ونفس ومجتمع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق